انتشرت في المدة الأخيرة موجة جديدة في أوساط العالم الافتراضي المغربي. مدونون قرروا الخروج من النمط التقليدي للكتابة باللغات الكلاسيكية سواء العربية أو الفرنسية أو الإنجليزية، واختاروا تجريب الكتابة باللغة العامية المغربية.
يكتبون عن هواجسهم، عن يومهم، في السياسة والرياضة والفن والثقافة، وعن القضايا المجتمعية الكبيرة التي تشغل المغاربة والعالم بشكل ساخر وبأسلوب جديد، عادة ما يختار المدونون أسماء حركية، ويفضلون الظهور بها، لذلك فإن من قابلناهم فضلوا الاحتفاظ بهوياتهم المجهولة التي اشتهروا بها داخل العالم الافتراضي،'هنا صوتك' اقتربت من هاته الظاهرة وقابلت عددا من المدونين.
تعبيرات ساخرة
مدون مغربي يطلق على نفسه لقب 'كحل العفطة' اختار موضوعا فريدا للتدوين عنه، باعتباره متتبعا لرياضة 'الفورمولا 1'. فقد أطلق مدونة بالدارجة عن هذه الرياضة ليقدمها للقارئ المغربي بشكل ساخر والتعريف بقوانينها في قالب فكاهي وتبسيطي. يقول المدون في لقاء خص به مراسل 'هنا صوتك' إن فكرة إنشاء مدونة بالدارجة المغربية جاء بإيحاء من إحدى صديقاته التي تدون بالدارجة أيضا عن أسفارها، والتي اقترحت عليه أن يحدث مدونة في المجال الذي يحبه. 'بما أن الفكرة لم تكن في ذهني من قبل، فإنني لم أتردد في ذلك و قمت بإنشاء 'مدونة الفورمولا' رغم عدم تمكني كليا من تقنيات إنشاء المواقع و لكن كل شيء مر على ما يرام. المواضيع التي أكتب عنها في مدونة الفورمولا هي كل ما يتعلق برياضة الفورمولا واحد. و كل ذلك مع القليل من اللمسات الفكاهية الخفيفة حتى لا يهرب القارئ من نصف المقال'.
أما يونس فقد سمى مدونته ' فوارق'، حتى اللحظة كتب موضوعين عن الفوارق الشاسعة الموجودة في المغرب بين من يعيشون وضعا جيدا ومن يوجدون في الحضيض، بين الفقراء والأغنياء، وبين الحاكم والشعب في قالب ساخر، مثلا اختار يونس 'تربية القطط' كتيمة، عالج من خلالها موضوع تربية الأغنياء للقطط وما يصرفونه عليها من أموال باهظة، عاقدا مقارنة بين العناية التي تحظى بها هاته القطط وبين مواطنين يعيشون تحت الصفر ويتمنون أن يحظوا بربع المعاملة التي يعامل بها هؤلاء القطط.
أقرب إلى القارئ
المدونون الذين اختاروا التدوين بالدارجة يبررون نهجهم بكون هذه الأخيرة الأقرب إلى القارئ المغربي في هذه الفترة، نافين وجود أي علاقة لهم بالدعوات التي أطلقها نور الدين عيوش (رجل أعمال) لاعتماد الدارجة كلغة للتدريس. صاحب مدونة 'الفورمولا ون' يرى أن الكتابة بالدارجة امتياز باعتبار أن التدوين بها لا يزال حديثا جدا، وهو ما يجعل هذا النوع من الكتابات مطلوبا، ويحصر السلبيات في كون الكتابة بالدارجة تحصر جمهور وقراء هاته المدونات فقط في المغاربة الذين يفهمونها.
يونس أيضا يقول إن الدارجة توصل الرسالة بشكل أبسط وأسهل ودون أية تعقيدات، ويردف يونس في تصريحه ل' هنا صوتك': ' أكون أكثر راحة حينما أتحدث عما أشعره وأفكر فيه بالدارجة وكأنني جالس مع صديق لي في مقهى، كما أن الكتابة بالدارجة تجعل القابلية للسخرية ممكنة أكثر من أي لغة أخرى، فضلا عن أن الرسالة تصل بسهولة خالية من لغة الخشب'.
مهدي المحمدي، مدون، وفي نفس الوقت باحث في ميدان التعليم الرقمي، يعتقد أن ظاهرة التدوين بالدارجة ظاهرة إيجابية جدا طالما لم تفرض على أحد، ويدفع في اتجاه أن التدوين بالدارجة سيعجل بظهور كتابة دارجة معممة كما حصل مع الكتابة الإسبانية المتخففة من قيود اللاتينية، ويضيف المحمدي ل 'هنا صوتك' : ' شئنا أم أبينا، تعميم الدارجة المكتوبة مسألة وقت، وكثيرا ما يدعي البعض أن هذا التعميم سيستلزم بضعة قرون مثلما جرى للغات المنبثقة من اللاتينية ومثلما جرى للعربية نفسها. ما ينساه البعض هو أن الخمسة القرون اللازمة لإغناء التراث المكتوب بلغة قليلة الكتابة لن يستغرق نفس القدر من الزمن في عصرنا، وبقدر ما كثر التدوين الإلكتروني بالدارجة بقدر ما أصبح سهلا استخلاص شكل معياريي للدارجات بكل أشكالها، بتحليل كل ما يكتب بها من خلال وسائل حديثة مثل معالجة اللغات الطبيعية'.